Posts Tagged ‘العيد’

العيد الثالث الفلسطينيّ

15 نوفمبر 2010

يطل علينا الحجيج بلباسهم الأبيض و هم في قمة النقاء الروحي المعلن ، ويقف الفلسطيني قبلهم على جبل أحزانه و تنطلق بذهنه الأفكار ، لماذا لا يفكر الفلسطيني بالفرح ، قد اتفق مع الكثيرين إننا ما دمنا نعيش حالة الشتات و الضياع و الغربة في بلاد الله لكن يجب أن تكون ابتسامتنا أعلى بكثير من ارتفاع الحزن .

فالشعوب الحية هي تلك الشعوب التي تنطلق من إيمانها المطلق بعادلة قضيتها و تعيش ذلك باطلاق الفرح ليملئ تطلعاتها للحياة بأمل ، لذلك يجب علينا كفلسطينيين ان نثبت لأنفسنا أولاً و للعالم أجمع أننا شعب قادر على صنع الحب و الفرح و الحياة  و أن نضالنا ما هو أًلا لإقامة الفرح و الحب و إطلاق أشعة الشمس في قلوب أطفالنا بعيد عن عتم الاحتلال و الاستيطان و التل و الاسر ، و أن الفرح سيكون مصداقاً عملياً على حبنا للحياة و إصرارا على استبشار النصر القادم رغم كل المتاهات التي تمر بها قضيتنا في أروقة السياسة .

( بالنصر … بالعودة .. بالبلاد .. العيد الجاي بالأقصى .. ) مصطلحات قد تمر على سمعنا في العيد ، لتعطي العيد مفهوم أخر يترسخ في ذهن أطفالنا و يكبروا عليه ، هي العودة سر الفرح و النصر سر البهجة و الأقصى هو العيد ، فلا شيء يساوي قيمة هذه الهتافات التي تنطلق بالعيد الا الفرح الروحي بترديدها على مسامع الجميع ، و تطلق اليقين بالعودة و النصر كحالة حتمية للفلسطيني المتعلقة بتراب وطنه و يعشقه .

فالعودة هي التي تشكل نقطة الفصل في تحية العيد ، لان العودة هي اليقين الذي لا يتزحزح عند كل نازح و لاجئ اخرج قصراً من فلسطين و تشرق شمسها في ذهنه مع كل صباح ، و هي حتماً ستتحقق في يوم كما تحققت الأمنيات الكبيرة لمعظم شعوب الأرض المقهورة ، و ستكون عودة ضمن الواقع الملموس و المحسوس و نستشق عبير الأرض بشكل حقيقي ، فمن حقنا كشعب أن نحتفل بالعيد رغم التغريب القصري ، و سنرفع التهليل في صباح العيد و سنتمنى ان يكون شعبنا بخير و جميعنا بخير . فالحياة تجبرنا على السكنى بالأمل و تمنحنا زهرة الشموخ و سنابل الشهادة و تضحيات كل عاشق لفلسطين ، سنقول كل عام وأنتم بخير و بالنصر و العودة و العيد القادم بالاقصى ، و كل عام و انتم تحلمون بالوطن ، وكل عام و الشمس تشرق بالامل و الفرح ، و كل عام و انتم الشعب المؤمن بالنصر القادم ، وكل عام و طعم الديار لا يفارق جوهر حواسنا ، و عندها سنملئ الدنيا بضجيج الفرح ..

 

من تداعيات العيد في الوطن و الشتات

7 سبتمبر 2010

ghj

نص قديم لكني ما زلت اشعر أنه حي و مازلنا نحي نفس الظرف فالمعذرة

ما زلنا نذكر بهجة الأعياد والاحتفال بها يوم كان البال هادياً والناس ينعمون بالعيش في ديارهم والشمل ملتئم، وكيف كانت الاستعدادات تجري لاستقبال العيد، والأغاني والدبكات المرافقة للعيد، البهجة تتواكب مع الظروف الطبيعيّة، للناس الهانئين الوادعين في أوطانهم، حيث يرتاد الناس الأسواق للتسوّق وشراء الملابس والأغراض والسكاكر والفواكه، وتشمّ رائحة الكعك والمعمول التي تفوح من البيوت في الليالي التي تسبق العيد، في الظروف الطبيعيّة تنشط الأمهات والأخوات في إحداث لمسة تحديث وترتيب للبيوت، والتخلّص ممّا هو خلق وتدهن البيوت وتمسح الحيطان، وتشطف الشوارع وأدراج الأبنية، وتزدحم صالونات الحلاقة، في الظروف الطبيعيّة ترتفع التكبيرات من المساجد ويبكر الرجال لصلاة العيد في الساحات الواسعة، وينطلق الأطفال بثيابهم الجديدة برفقة الكبار إلى الملاهي والأراجيح يقضون سحابة يومهم، وتعلو أصوات الباعة بأنغام مختلفة، ويسعى الكبار والصغار إلى غشيان الأقارب والأصدقاء ويحرصون على صلة الرحم ولو كلّفهم ذلك شدّ الرحال لمسافات بعيدة، في الظروف الطبيعة تكتسي المدينة والقرية والبادية بمعالم العيد.
أمّا اليوم فلسان حالنا كما قال المتنبّي:
عيد بأيّة حالٍ عدتَ يا عيدُ بما مضى أم لأمرٍ فيه تجديدُ
أمّا الأحبّة فالبيداء دونهم فليت دونك بيدٌ دونها بيدُ
والقلوب المثقلة بمشاعر الحزن والألم تعكّر صفو العيد، وتنعكس على تصرفات الكبار وتفكيرهم، ويتأثر بها الأطفال والصغار، فهم دائمو التعلّق بالتلفاز ولا يفارق الوجوم وجوههم، لا يفرحون كما يفرح الأطفال ولا ينسون الهول والمأساة، ولعلّ من هو تحت المعاناة أهون وأريح بالاً ممن يكون بعيداً منها، الوجوه متعبة مرهقة ترتسم عليها كلّ ما يتعرّض له الفلسطينيّ من عناء وضيم وإرهاق، لقد ظنّ الكثيرون أنّ مشاهدة المناظر المرهقة صباح مساء وعلى مرّ الأيام والشهور والسنين ستجعل المشاهد يعتاد هذه المناظر المأساويّة ويألفها وكأنّها تمثيليّة أو مسرحيّة وليست حقيقيّة، وبإمكانه أن يتناول عشاءه وكأنّه يشاهد فلماً لا شيئاً حقيقيّاً، ولكنّها تتراكم وتشحن المرء وتنكأ الجروح، يمرّ رمضان و يأتي العيد ومئات آلاف المؤمنين الفلسطينيين عيونهم على الأقصى ليكسبوا ثواب الصلاة فيه، لكن حواجز المحتلين العسكرية وجدران التوسع الاحتلالي تحول دون وصولهم للمسجد الأسير، فدخول القدس لمن هم خارجها في شهر رمضان فقط لمن هم فوق الخمسين من الذكور والخامسة والاربعين من الاناث، وفي الأشهر الأخرى المنع على الجميع ، هذه هي قوانين المحتل التي يطبقها بقوة السلاح ، يأتي العيد و المقدسيون قد سلموا وجوههم للعراء ، المدينة تقتضم كفطيرة العيد منزل ورا منزل و شارع ورا شارع ، و التنكيل على الحواجز مستمر ، فكم هي قاسية عندما ترى منزل عمرك الذي جنيته بكل تعب الدنيا يهدم و هو من عدة طبقات أمامك ، فهم واهمون الذين ظنّوا أنّهم بقسوتهم وعسفهم وطغيانهم سيروّضون الإنسان الفلسطينيّ، ويطبّعونه ويجعلونه يذعن ويستكين ويرضى بالأمر الواقع، ونسوا أو جهلوا بأنّهم يؤجّجون الحفيظة ويثيرون الحماسة والحميّة لأجيال قادمة، إنّهم أحالوا ألعاب الأطفال إلى مسدسات وبنادق ودمى عسكريّة، لقد أوهموا شعبهم وأصدقاءهم بأنّهم أوشكوا على الوصول إلى نهاية المطاف، وأنّهم عمّا قريب سينعمون بالأمن والطمأنينة، ولكنّ الإنسان الفلسطينيّ لا ينسى بل تحتفظ ذاكرته بكلّ التفاصيل الدقيقة، وترتسم في مخيّلته شجرة الزيتون والنخلة والدالية والبيت، إنّ هذا الإنسان لا يُلام إن بدت على وجهه الكآبة، وهم يقلعون الزيتون والنخيل و عرائش العنب ويهدمون البيوت، فما بالكم بهؤلاء الأطفال الذين يرون منازلهم التي أحالتها المتفجرات والجرّافات إلى أكوام من تراب وكرومهم التي غدت هشيماً بلقعا، وكيف وهم يكرهون على الخروج من منازلهم في البرد القارس تاركين ملابسهم وكتبهم ودفاترهم.
إذن العيد بالنسبة للفلسطينيّ مختلف، ففي الداخل الحصار والقهر والقتل المفاجئ وأصحاب البيوت المهدّمة والبيوت المهدّدة، وقلّة ذات اليد والفقر المدقع، وحظر التجوّل والسعي الحثيث لزيارة السجين والمحتجز والموقوف والمحكوم، بذل المساعي لزيارة القبور، الكآبة التي ترتسم على الوجوه، والوجوم الذي يصبغ السحن، والصور المعلّقة على الجدران، والرسائل في الألبومات والملابس المعلّقة على المسامير وقد علاها الغبار، ومحاولات الاتصال بالأقارب بالهاتف والحديث بتحفّظ والأسعار الباهظة، وازدحام الشبكات وانقطاع المكالمات وتشويش الخطوط وعدم التمكّن من إجراء المخابرات في برهة العيد.
أما خارج الوطن فظلم ذوي القربى أشدّ وطأة على النفس، فالشقيق لا يمكنه المشاركة في جنازة شقيقه والرجل الهرم يموت دون أن يتمكن ابنه أو بنته من الوصول إليه، والسجون تعجّ بالمظلومين، والجواز يسحب من صاحبه، وتأشيرة الدولة لا تحترم، والقيام بأداء المناسك مستحيل، والجواز لا يجدّد، والشرطيّ يلحس ختمه، ولا يتمكن المرء من الرجوع إلى بيته أو مشاركة أهله العيد إذا ما أسعفه الحظّ في الحصول على فرصة عمل في بلد ناء، والفلسطينيّ دمه مباح كدم الغزال خارج الأشهر الحرم، وهو مستثنى من كلّ الأنظمة والقوانين والتسهيلات المعمول بها، ويستكثر عليه الهواء الذي يستنشقه، ويعامله الأشقّاء كغرائب الإبل .

الطلقة …

24 أكتوبر 2009

كان “رمضان” ذريعة لارجاء الشؤون…

حتى انني وعدت فتاتي بالزواج “بعد رمضان”. ماذا اقول لها عندما التقيها في العيد? اسمعي, تعرفين انني لم اصم طوال ثلاثين يوما مضت. لم اصم في حياتي على الاطلاق. بمعنى ان “رمضان” بالنسبة لي معلق, وفي حالة انعقاد دائم وعلى هذا فان الموعد ما يزال قائما. وانا اعرف فتاتي, تصدقني حتى لو قلت لها ان “يوم القيامة” محدد في “الرزنامة” – على ورقة ننزعها يوميا, ونقرأ فيها التاريخ, و”حكمة اليوم”: “لا تؤجل عمل اليوم الى الغد”.

يقول القدماء:”طبق الانتقام يؤكل باردا”. واحب “شواخص المرور” الى قلبي هي “تمهل”, مع “علامة تعجب”, وطريق ترابية, واطار سيارة يحترق تحت برميل يغلي فيه “الزفت”: تأخذني هذه الطريق الى “غدا” فائض عن حاجتي.

استعيد قصة “الطلقة” للكاتب الروسي “بوشكين”: رجل شجاع يستنكف عن المشاركة في مبارزة بالمسدسات دعاه اليها رجل لا يقل شجاعة. وهذا عار حسب ما تقتضيه اعراف الرجال في القرن التاسع عشر. ويذهب الجميع الى ان صاحبنا جبان. ولكن جوهر القضية مختلف تماما, ذلك ان الرجل الشجاع مرتبط بمبارزة اخرى يعتبرها اكثر اهمية, وظل ينتظر ان يحين موعدها طوال ما مضى من سنوات. ويبدو ان الموعد قد ازف الان, وعليه ان يقوم ب¯ “واجبه” في المبارزة الثانية.

الحكاية ان صاحبنا بارز رجلا مستهترا في وقت سابق. ولكن هذه المبارزة لم تستكمل انذاك, اذ اطلق المستهتر طلقة غير صائبة, وبقيت طلقة هي من حق الرجل الشجاع الذي قرر ان يؤجل اطلاقها ريثما يتيقن ان الخصم المستهتر بات يدرك ان الموت غير مستحب. قال للمستهتر الذي بدا غير متهم بمسدس الرجل الشجاع المصوب نحوه:”استطيع ان اقتلك الان, ولكني لن افعلها, فواضح انك لست حريصا على حياتك حاليا. ولكن مهلا, سوف امارس حقي في قتلك عندما تصبح مهتما بحياتك”. وارخى المسدس, ورحل تاركا المستهتر مدهوشا بالموقف ككل.

ونفهم من المجريات ان برقية وصلت البارحة لصاحبنا تفيد ان المستهتر تزوج واحدة يحبها من نبيلات ذلك العصر. وذلك يعني ان الحياة صارت ذات قيمة من وجهة نظر المستهتر. اذن, من الضروري ان يخسرها الان بالذات.

وهكذا, حافظ الرجل الشجاع علي حياته الى ان وصلته هذه المعلومات, وسافر لاطلاق الرصاصة المؤجلة منذ سنوات. ليكشف اثناء المواجهة ان الخصم ما يزال مستهترا بحياته, فاطلق الرصاصة -وضعها في ثقب في جدار, وكأنما في رأس المستهتر الذي وقف غير مكترث ايضا.

رجلان عنيدان, واقولها: كان يمكن ان يكونا صديقين لولا ان الرجولة المتناهية تعيق تواصل الرجال احيانا.

راح “رمضان”, وجاء “العيد”, وها انذا افكر في انجاز مشاريع مؤجلة منذ ولادتي, وهنالك طلقة في بيت النار. هل اضغط على الزناد?

امرأة من دخان

21 سبتمبر 2009



أنه العيد يصل مبكراً بنفاقه المُنمق الرخيم ، مثله وصلت باكراً و كنت اتمنى أن يكون رحيلك مجرد تحية تحمل وجه عملة الكذب في عيد لا نملك فيه عيد ، كان غسق الواقع يبدأ بالتنفس كأنه نيزك مفرط النور في عيني ، جست المقبرة بكامل مساحتها ، و لم أجدك ، و بدأت اشتم رائحتك و هي قادمة من جهة الجنوب ، حاد جداً سيف الشوق ، أتمشى في هواجسي قرب الجدار و أنا أحلم أن تكسري حاجز الصمت العقيم و تعانقيني باللحظة التي يقع بصرك بها عليّ ، و بينما كنت ألبس روحي بمزيد من أقنعة الفرح و الحب ، و أسترق النظر لقوافل القادمين للمقبرة ، وحتى لا تلحظ تلك الجموع ما بي من شوق و هيام ، بدأت أقف ساكناً كمن تغتاله جحافل الشتاء و الملم ما حل بي من تصدعات الانتظار …
أني أراها من بعيد ، و بدأ وجهها يلون المطر بالمطر ، و تلقي على طهر الورد الياسمين ، الاشياء الصغيرة التي ترتديها ما زالت كما هي ، لها رائحة زهر الليمون ، و كبرياء الشهداء ، و نكهة الزعتر البلدي ، تفتك بي و تزيد رعشتي ، و تسقطني كأخر فرسان روما ، تشعل بي صهيل التضرع و الارتقاء ، كانت بهية شهية كما اعتدتها ، كتلاوة مقدسة ، كمطر الروح الاخضر العينين ، تلقفت لفافة التبغ و تنهدت بعمق ( أنها هي .. لقد أتت ) …
و اقتربت …
وبدأت المسافة بيننا تكبر كأنها كومة أحلام مخبأة في خصلة شعر ، و شتاء الغابات يفرغ ماء وريدي ، و أغنية صعاليك اسبارطة تدك عقارب الوقت … ياه كم بعيدة المسافة بيننا رغم أنها لم تتجاوز متران من التنهديات و العويل …
يممت رأسي شطر ضوء عينيها ، و أنا اختلس النظر كقط يقتسم خبز الفرح و يمضغ ريشة النسيان ، و اقتربت …
تساقط رماد سيجارتي الشقراء على فردة حذائي ككومة أوراق شجرة في الخريف ، و كانت المسافة التي تفصلنا كلهفة الشفاه لعناق القبل ، و أنا انتظر الرقص على وقع راحتها التي ستترك عطراً و عوسج في كفي ..
كنت سأخبرها اني لن أغدو فارساً الا بها ، كنت أنتظر ان تهشم أضلع الشوق بعناقها و تهدر دمي كالشنفرى ، كنت سأخبرها أنها ستحولني لباقة زبرجد أخضر … كنت …
لم تشعرني بالدفء ، و غدت روحي من وهم الامنيات هشة ، فما كان العناق ولا كانت المصافحة ، لم تبنعث مني الا شحوب لحم دمعي ، اشاحت عني و كان الغرب وجهتها ، و تدثرت بالرماد و أنا أشهق بالخيبة العظمى ، لا شريك لي في قلب له رائحة كتابات اسخيليوس و رماد محرقة ….
غابت و لم أعد أراها وسط الجموع ، و رفعت نظري الى رب الكون ، و أنا أردد أني لست غبياً ، و لست أتابع خيط دخان ، و ان النسيان شيطان يعيش بقميص الموت السريري لحبّ ، و سيبقى طيفك كسورة في كتاب مقدس لم تمر عليها أيدي الجان ، و سأبقى ألوذ بك من عقم الدفئ و قلة العطر ..
أني أشعر الأن أني سقطت من رحم أمي على حصيرة شوك أجهل هرطقة الدمع و لعنة الصراخ ..
نعم ذهبت .. غادرت .. و أنا بقيت اعتلي تيجان البرد في زحام يركلني على كل رصيف رمادي وحيداً ، وحيداً أشرب الماء في غرفتي الان كي لا اشعر بعدك بالعطش ، حاولت ان أمارس دوري المناط بي في هذه الاسطورة ، أن أبكي .. أن انتحب ، لكني غدوت مثقلاً بألف ثقب و ثقب ، غدوت كجلمود صخر لايفتته الا نور الرب …
هي الغربة تمارس ازدحام المشاعر الشمطاء ، و لن تكوني ذاك الوجه المرسوم بدخان الخيبات العاطفية .

تنفس صبح العيد

28 جانفي 2009

untitled-15

عندما تنفس صباح عيد الأضحى المبارك و بدأت الحياة تتدثر بلهيب شمس لشتاء الباردة .. كانت روضة الشهداء في كل قرية في الجنوب المقاوم يتطلب الوصول إليها الكثير من الخبز و الماء و الهواء النقي .. و ملح دموع العيون .. فهي تزدحم كي تفترش كحل الزعتر أمام أهالي الشهداء و أقاربهم كم هي عادة أهل هذه القرى و الضيع في صباح كل عيد .. فالقبور كلما ارتفعت شمس الأضحى أكثر .. تزينت بالسواد أكثر .. حيث تمتزج فيها دموع لفراق المالحة و تهاني العيد فتكن باليد جمرة الغياب و فرحة العيد الموشومة بحناء اللقاء .. اللقاء مع الشهداء في روضتهم .. فكما للعيد فرحته للشهادة قدسيتها .. لذلك لهم دائماً النصيب الأكبر في العيد .. فيزحف لروضتهم الأقارب و الأصدقاء من كل فج عميق .. و ينطلق العطر من الشفاه و هي تقرأ فاتحة الكتاب الكريم على قبر كل شهيد .. و لا تكتفي الرياض باستقبال أهالي الشهداء بل كل أهل القرية يزحفون ، و كل شخص يجد سبيله إلى ضريح شهيد و يبقى الدمع رهين العيون .. و في هذه الأثناء تكون المقاومة قد رشمت قبور الشهداء بأكاليل الزهور و رائحة لبخور الفاسي تهب على لوجوه كإعصار ثلجي فتجمد المقل .. و كأنها تحاول أن تزاحم ما تركه الشهداء من رائحة الجنة .. فتكون هذه لزيارات هي اشد عيدية نقدمها لرجال الله الأحبة .
كيف لنا أن نتخيل بخور الشهادة و هو يتلوى تحت دموع الجموع في روضة الشهداء .. فتكون تقسيم القلوب قد فاضت بالحزن بعد أن تقترب من مرقد الأحبة و قد وشم رحيلهم على لوجوه كل معايير الحزن و نسج من عواطفهم كوفية تغطي الأكتاف .. أكتاف الشهداء … و تبقى تلك اللوعة لا تنطفئ وهم يبحثون عن هؤلاء الأحرار .. فالفراق قاس .. و دون شك تبقى العزة هي التي ترقد فوق رؤوسهم بسلام .. فعلى يمينك تجد أماً تروي لأطفالها عن والدهم الذي قضى و هو يمنع الصهاينة من تدنيس ارض الجنوب و يبقى النحيب متقرفص تحت ظلال عيونها .. و أمامك والدة تناجي ولدها الشهيد الذي افقد الصهاينة القدرة على استنشاق الهواء و جعل شمسهم قنديل زيت أسود .. تناجيه كأنها يقف ببابها .. و على يسارك الحجة أم حسن التي فقدت ابنها حسن قصير في عملية بطولية قتل فيها 9 من الغزاة و كان جباراً كأسطورة فينيقية .. تسأله عن أحواله ( كيفك يا أمي اليوم عيد و انا مشتاقة كتير ) و على مسافة قصيرة منها ترى رأساً يسافر نحو سقف السماء تاركاً جذعه في الأرض أنه والد الشهيد يطالب زوجة الشهيد بعد انتهائه من احتساء أخر كلمات الفاتحة القرآنية بالتوقف عن البكاء ، و هو يقول ( زوجك رفع لنا رؤوسنا و دموعك تزعجه ) .. و تمتد ببصرك نحو جدار الروضة فترى فلذة كبد شهيد يقف قرب جدته و هو يقرأ القرآن و جده يتأبط سبحته و هو يتمتم ببعض الآيات .. في كل عيد تبقى عقدة العناق عند الأهل و الأحبة .. و كأن شفاههم مشنوقة تأبى مغادرة نافذة ذاك الصبح .. و تبقى أرضهم خضراء تعج بأزهار بلون الغسق و دموعهم على شفة حفرة من الانهمار .. و تبقى تلك الأرض تحتفل بهم كل عيد