Archive for 22 سبتمبر, 2010

محكوم بالخسارة

22 سبتمبر 2010

سعد الله ونوس “كلنا محكومون بالأمل”

اعتذر يا سعد الله فأنا سأحرق مصابيح قاعدتك لأني مستثنى منها فأنا محكوم بالخسارة و ليس بالأمل .. فهل تمنحني فرصة لإعادة هيكلة قاعدتك و انحت كومة القبح في عورة أحزاني و خساراتي و عمق لحمي المتكور كمدينة من الرماد …

نعم محكومون بالخسارة كلنا .. فأرشيفي الشخصي يخبرني أن البشر على قيد الدرهم المدفون في وكر عظامهم مفتونون ، و تصبح إنسانيتهم منحورة على حديده صدئة و عقلهم أشعث الكلمات …

لعنتي عليهم جميعاً .. ولعنتي على ما هم مفتونون به .

قوس أمام الماء

17 سبتمبر 2010


إلى انسان كان يحلم ان يدفن في صرفند
أبي ،،


وقت مرّ .. أشعث و مكلل بدمع أخضر .
يموت ( محمد ) الجثمان ملقى في ساحة الدار يثقب هالة الصمت و طلاسم الوجع ، يمر الناس … يتفحصون أنعكاس الحكايا و الأحاديث لا تنتهي و على الشفاه سواد مسكون بفوضى المشاعر و كتل الهدير المسكونة بالدهشة و الهروب و البقاء و العويل ، يتساءلون ، متى الدفن ؟ لا أحد يجيب و تُطلق النسوة القليلات حشرجات آيات مقدسة معلقة بين الأرض و السماء وهن يحاولن امتصاص الدمع المالح و كأنه صوت حسون قطع جناحه الأيمن و فقئوا عينيه و بقي هائم بالفراغ و اللاجدوى…

موجع جداً فراغ المسافة بين قرية ( بيت دجن ) إلى ( صرفند)* المحسوبة بالزمن اللازم لاجتيازها كحبل الحزن الذي يربط بين الناس أمام الجثمان الآيل للانهيار و هم يبتلعون جمرات الرحيل القزمة، الأرض تضيق كالفراغ بين عظم الجسد ولا يدري أحد على وجه الدقة كم يستغرق اجتياز المسافة .. الكّل يخمّن … بدأت حساباتهم تأخذ شكل العبث و سكين مسننة لذاكرة متعبة تحتز الوقت، وصية محمد في لحظة حنين شاق أن يدفن في مقربة قريته و على فمه كان سيل من الكلمات الموجعة و لا شيء يعوض خسارته لقريته سوى أن يدفن فيها ، فترك قلبه على منضدة الانتظار..

ما أبشع عتبة الخذلان حين كان يسهر حتى آخر الليل ، يعد المسافة بالخطوة الى القرية و يعرج عشرات السموات ، يأخذ شيئاً و يشنق كتفه على صهوة جواده ، يعود بالصدر المبلل بغيم الأرض الطيبة ، لا يدري إن كان يسرق الوقت كضريح نبي أو الوقت يأكله كنخلة صفراء من الحزن البليد . زيتون القرية الذي يشكل ذاكرة لا تفرط بأسماء أحبته، حتى حجارتها و رمانها تترك عبق ياسمينة فضية في روحه، و تربتها التي كالشامة الزرقاء على كفه تشكل أرقاً يدفعه للمجازفة، و مسجد القرية المتهالك يدفعه للعودة.

كل مساء يودع بقايا أحلام الأمس على أمل أن يأتي حلمه الضائع كصهيل لمواسم الندى، كم من الأحلام شاهد وهي تغربل أنة هاربة من حنجرة غربة، و كم من الأرق يتبعها..

يرى نفسه مقتولاً عند ( مقام لقمان) و كم مرّة شاهد الجنود على بيادر القرية و لا تكسوها سنابل صباح جميل و في جوف روحه كانت تختنق الأغنيات و لا تورثه خيط المرمر المرتجى .

كم حدّث نفسه، لو أن ( أحمد ) و ( و مصطفى ) لم يغادرا، رحم الله أبي ، كيف حملته ساقاه ليموت هناك …
كانت أوجاع محمد تأكله من داخل جسده كزلزال ..

بدأ ينحني أمام أزمان ليست له و يرتجيها ماء للغفران و العودة. حتى الأمكنة التي ألفته وأحبها يسري لها ليلاً ، يضمد جراحاً لم يداوها زمن و كأنها حصلت للتو فتبتلت مشاعره و تصبح ندية..
ما كان يؤرقه وجه الأمكنة و صراخها أن لا يعود تجبر ماء قلبه على العويل و تجعله من الفاتحين لشهوة الأنين ، لا أحد يحُس بوجع الأرض ولا احد يغتسل بماء الرب عندما ساءت عورة الجرح، و لا أحد يسمع همس السنابل وهي تنادي كغواية امرأة الروح وهي تنكح الموت ذات خيبة، ولا يدري أحد كيف ينطق الأقحوان و تردد وجعه الذي لا ينتهي عدماً عبر قرحة النحيب خلف أذن الحجارة التي تهدي الخطة الساقطة عليها نعل الفرح و الحياة ..

كان محمد يسمع ولا يعي كيف يضمد الجراح كتب في وصيته أن ينقلوه إلى هناك فقد مات و مازال على القماش الأبيض يترنح و ينتظر أن تشفى جراح حلمه و أن تذهب الألم الغربة برفقة الريح الصرصر ..

هناك قريبا ً من تناغم لغة الأشجار و البلابل و الاقحوان ، هناك حيث الشتاء الذي انتحر عند أقدام الحيارى التائهون في عرض الحزن و البحر ، من لا وطن لهم ولا بيوت تفتح نوافذها لمواكب الجوع الاهثون على موائد اضمحلال الشوق ، هناك حيث حفدة الآلهة المكسورة الجناح بزينة التعب ، هناك حيث ينهض الموتى يرممون قبورهم كما يرمم المطر شهوة الأرض المشدودة كقوس أمام الماء، كان يشاهدهم ، يصرخ بهم ، سأنضم اليكم ، يوماً سآتي اليكم ..

كان كأنه ميت لحظتها ، حمل الرجال القلائل النعش ، و ضعوه في سيارة مكشوفة ..و ساروا باتجاه القرية ..
في المكان الفاصيل بين القرية و صرفند استوقفهم ضابط الشرطة سألهم : الى أين ؟
قالوا : مقبرة القرية ؟؟
قال : و أي قرية ؟ و التفت الى رجال الشرطة أمراً أن يقوموا بارجاعهم .
قاوم المشيعون ، و ساروا باتجاه المقبرة و كان الحزن و الغضب يلتهم لحم قلبهم و أجسادهم مليئة بأرواح شعب كسيح كامل ، و على مشارف المقبرة طوقهم الجنود ، قال ضابط الشرطة : كم ميت معكم ؟
قالوا : واحد …
أجاب : عودوا به .. قبل أن يصبح العدد عشرة…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*صرفند

من تداعيات العيد في الوطن و الشتات

7 سبتمبر 2010

ghj

نص قديم لكني ما زلت اشعر أنه حي و مازلنا نحي نفس الظرف فالمعذرة

ما زلنا نذكر بهجة الأعياد والاحتفال بها يوم كان البال هادياً والناس ينعمون بالعيش في ديارهم والشمل ملتئم، وكيف كانت الاستعدادات تجري لاستقبال العيد، والأغاني والدبكات المرافقة للعيد، البهجة تتواكب مع الظروف الطبيعيّة، للناس الهانئين الوادعين في أوطانهم، حيث يرتاد الناس الأسواق للتسوّق وشراء الملابس والأغراض والسكاكر والفواكه، وتشمّ رائحة الكعك والمعمول التي تفوح من البيوت في الليالي التي تسبق العيد، في الظروف الطبيعيّة تنشط الأمهات والأخوات في إحداث لمسة تحديث وترتيب للبيوت، والتخلّص ممّا هو خلق وتدهن البيوت وتمسح الحيطان، وتشطف الشوارع وأدراج الأبنية، وتزدحم صالونات الحلاقة، في الظروف الطبيعيّة ترتفع التكبيرات من المساجد ويبكر الرجال لصلاة العيد في الساحات الواسعة، وينطلق الأطفال بثيابهم الجديدة برفقة الكبار إلى الملاهي والأراجيح يقضون سحابة يومهم، وتعلو أصوات الباعة بأنغام مختلفة، ويسعى الكبار والصغار إلى غشيان الأقارب والأصدقاء ويحرصون على صلة الرحم ولو كلّفهم ذلك شدّ الرحال لمسافات بعيدة، في الظروف الطبيعة تكتسي المدينة والقرية والبادية بمعالم العيد.
أمّا اليوم فلسان حالنا كما قال المتنبّي:
عيد بأيّة حالٍ عدتَ يا عيدُ بما مضى أم لأمرٍ فيه تجديدُ
أمّا الأحبّة فالبيداء دونهم فليت دونك بيدٌ دونها بيدُ
والقلوب المثقلة بمشاعر الحزن والألم تعكّر صفو العيد، وتنعكس على تصرفات الكبار وتفكيرهم، ويتأثر بها الأطفال والصغار، فهم دائمو التعلّق بالتلفاز ولا يفارق الوجوم وجوههم، لا يفرحون كما يفرح الأطفال ولا ينسون الهول والمأساة، ولعلّ من هو تحت المعاناة أهون وأريح بالاً ممن يكون بعيداً منها، الوجوه متعبة مرهقة ترتسم عليها كلّ ما يتعرّض له الفلسطينيّ من عناء وضيم وإرهاق، لقد ظنّ الكثيرون أنّ مشاهدة المناظر المرهقة صباح مساء وعلى مرّ الأيام والشهور والسنين ستجعل المشاهد يعتاد هذه المناظر المأساويّة ويألفها وكأنّها تمثيليّة أو مسرحيّة وليست حقيقيّة، وبإمكانه أن يتناول عشاءه وكأنّه يشاهد فلماً لا شيئاً حقيقيّاً، ولكنّها تتراكم وتشحن المرء وتنكأ الجروح، يمرّ رمضان و يأتي العيد ومئات آلاف المؤمنين الفلسطينيين عيونهم على الأقصى ليكسبوا ثواب الصلاة فيه، لكن حواجز المحتلين العسكرية وجدران التوسع الاحتلالي تحول دون وصولهم للمسجد الأسير، فدخول القدس لمن هم خارجها في شهر رمضان فقط لمن هم فوق الخمسين من الذكور والخامسة والاربعين من الاناث، وفي الأشهر الأخرى المنع على الجميع ، هذه هي قوانين المحتل التي يطبقها بقوة السلاح ، يأتي العيد و المقدسيون قد سلموا وجوههم للعراء ، المدينة تقتضم كفطيرة العيد منزل ورا منزل و شارع ورا شارع ، و التنكيل على الحواجز مستمر ، فكم هي قاسية عندما ترى منزل عمرك الذي جنيته بكل تعب الدنيا يهدم و هو من عدة طبقات أمامك ، فهم واهمون الذين ظنّوا أنّهم بقسوتهم وعسفهم وطغيانهم سيروّضون الإنسان الفلسطينيّ، ويطبّعونه ويجعلونه يذعن ويستكين ويرضى بالأمر الواقع، ونسوا أو جهلوا بأنّهم يؤجّجون الحفيظة ويثيرون الحماسة والحميّة لأجيال قادمة، إنّهم أحالوا ألعاب الأطفال إلى مسدسات وبنادق ودمى عسكريّة، لقد أوهموا شعبهم وأصدقاءهم بأنّهم أوشكوا على الوصول إلى نهاية المطاف، وأنّهم عمّا قريب سينعمون بالأمن والطمأنينة، ولكنّ الإنسان الفلسطينيّ لا ينسى بل تحتفظ ذاكرته بكلّ التفاصيل الدقيقة، وترتسم في مخيّلته شجرة الزيتون والنخلة والدالية والبيت، إنّ هذا الإنسان لا يُلام إن بدت على وجهه الكآبة، وهم يقلعون الزيتون والنخيل و عرائش العنب ويهدمون البيوت، فما بالكم بهؤلاء الأطفال الذين يرون منازلهم التي أحالتها المتفجرات والجرّافات إلى أكوام من تراب وكرومهم التي غدت هشيماً بلقعا، وكيف وهم يكرهون على الخروج من منازلهم في البرد القارس تاركين ملابسهم وكتبهم ودفاترهم.
إذن العيد بالنسبة للفلسطينيّ مختلف، ففي الداخل الحصار والقهر والقتل المفاجئ وأصحاب البيوت المهدّمة والبيوت المهدّدة، وقلّة ذات اليد والفقر المدقع، وحظر التجوّل والسعي الحثيث لزيارة السجين والمحتجز والموقوف والمحكوم، بذل المساعي لزيارة القبور، الكآبة التي ترتسم على الوجوه، والوجوم الذي يصبغ السحن، والصور المعلّقة على الجدران، والرسائل في الألبومات والملابس المعلّقة على المسامير وقد علاها الغبار، ومحاولات الاتصال بالأقارب بالهاتف والحديث بتحفّظ والأسعار الباهظة، وازدحام الشبكات وانقطاع المكالمات وتشويش الخطوط وعدم التمكّن من إجراء المخابرات في برهة العيد.
أما خارج الوطن فظلم ذوي القربى أشدّ وطأة على النفس، فالشقيق لا يمكنه المشاركة في جنازة شقيقه والرجل الهرم يموت دون أن يتمكن ابنه أو بنته من الوصول إليه، والسجون تعجّ بالمظلومين، والجواز يسحب من صاحبه، وتأشيرة الدولة لا تحترم، والقيام بأداء المناسك مستحيل، والجواز لا يجدّد، والشرطيّ يلحس ختمه، ولا يتمكن المرء من الرجوع إلى بيته أو مشاركة أهله العيد إذا ما أسعفه الحظّ في الحصول على فرصة عمل في بلد ناء، والفلسطينيّ دمه مباح كدم الغزال خارج الأشهر الحرم، وهو مستثنى من كلّ الأنظمة والقوانين والتسهيلات المعمول بها، ويستكثر عليه الهواء الذي يستنشقه، ويعامله الأشقّاء كغرائب الإبل .

قمر للعشق

4 سبتمبر 2010

قمراً للعشق جنحاً للقصيدة
جسداً طفلاً و أقدام محارب
و جموحات عنيدة يشرق العاشق

كيف خلفت وعود الصالحية؟
أين خبأت زهور الياسمين؟
و تباعدت عن الصحب قليلاً
و عشقت البندقية
و استثارتك احاديث الشجر

و تعابير القرنفل أين ؟
أين خبأت العناقات الطويلة ؟
أين خبأت الطفولة؟

كيف أعطتك دمشق القطة المستوحشة؟
والمناديل وميعاد الصباح؟
كيف أعطتك المواويل الشريدة؟
واشتعالات الجراح
ولك الحب وضحكات الطفولة

قمراً للعشق في كل المطارح
قمراً للعشق مجروحاً وجارح