الأدب الصهيوني والنزعات العدوانية1/2

6 ماي 2012

حسام زيدان – قاسيون/ يعتبر الأدب منتوجاً إنسانياً تخيلياً، أساسه اللغة، فهو بالضرورة يغير ويرسم شروطاً لنظرتنا إلى العالم، ويعتبر مسؤولاً عن مزاجية الأمة وتشكيلها الفكري والايديولوجي، إلا في حالة الأدب الصهيوني، حيث كان دوره الأساسي يقوم على تشويه عقلية ونفسية متلقيه، وتشتيت المفاهيم وزرع النزعات العدوانية والإجرامية الموجهة لكل ما هو ليس من نفس العرق والأثنية.

لم تشفع الفنيات العالية إن وجدت بهذه الأفكار التي تمثل الحركة الصهيونية بكل وضوح للعمل الأدبي، ولم يستطع المروجون لتلك المبادئ التي رسمتها الحركة الصهيونية الخروج من بوتقة الدعاية إلى تحقيق غاياتهم بأي وسيلة، تلك الغايات انعكست بشكل واضح على ما يسمى بالأدب الصهيوني، من حيث إثارة الغرائز العدوانية والتقليل من تأثيرات التراث الإنساني والقدرات الإنسانية من جهة أخرى، لتساهم في تعزيز العدوانية والحقد بعد الأنانية في الشخصية الصهيونية، لتنتج شخصية لا تكترث بالآلام وفاقدة للإحساس بإنسانيتها أصلاً فكيف بإنسانية الآخرين، شخصية نرجسية ونيتشوية الفلسفة والرؤيا، وهذا ما يؤكده الصهيوني إسحاق شاليف حيث قال: «علينا أن نعلم الشباب على أساس أرض إسرائيل الكاملة، وهذا الأمر لا بد أن يتم بواسطة الأدباء، في رياض الأطفال والمدارس وحركة الشباب والجندي والقائد في الجيش»، ويقول الشاعر الصهيوني يهودا عميحاي: «في بلادنا لا يمكن إلا أن نكتب الشعر السياسي، شعر الحب عندنا أيضا شعر سياسي»، إن أدباء كهؤلاء، لا يمكن أن يترجموا إحساسهم إلا بما زج في نفوسهم صغارا وشبوا عليه فتيانا ومارسوه كبارا.

ومنذ بداية الحركة الصهيونية وارتبط تشكل ما يسمى الأدب الصهيوني بالفكر الإيديولوجي عقب ظهور البروتستانتية في أوربا في القرن السادس عشر، وسهلت الانطلاق من التراث اليهودي القديم من خلال الكتاب المقدس على اعتبار أن التوراة هي الجزء الأول والمهم منه، ليحمل هذا النتاج السمة الدينية، وتهيمن عليه الأفكار التوراتية، متحججين أن الجذور التاريخية والثقافية والجغرافية لا يمكن وحدها أن تنظم العمل الأدبي، فكان العهد القديم ملهماً أساسياً لهذا الأدب، ولا يمكن أن نغفل دور التلمود الذي ينقسم إلى قسمين: الكتابات القادمة من الأندلس مثل دليل الحيارى، وكتب المتصوفين اليهود «الحسيديم»، والقسم الثاني وهو الأدب اليهودي القديم، وهذه المصادر تبقى مصادر لا يمكن أن تخلق أدباً كونها تغفل جانباً هاماً من جوانب الأدب وهو عنصر اللغة، الذي يميز أدب مجموعة بشرية عن مجموعة أخرى.

ويرتبط ما يسمى الأدب الصهيوني بالحالة الدعائية، أي أنه يكتب كي ينشر في الصحف ويصف اتجاهاً عقائدياً كما كان الأدب الرأسمالي والأدب الاشتراكي، ومن أوائل من كتبوا هذا النوع من النتاج، كان المبشر بالفكر الصهيوني الروائي الإنكليزي جورج إليوت في روايته «دايال ديرواند»، حيث نظر لفكرة أنه من الممكن أن يكون هناك أدب صهيوني فرنسي وروسي بالإضافة للعبري، على اعتبار أن مصطلح الأدب العبري هو أحد أقسام التصنيف ذاك الأدب، والأدب العبري يندرج ضمن مصطلحات بالإضافة له تشمل الأدب اليهودي والأدب الصهيوني والأدب الإسرائيلي والأدب اليديشي، وتم تقسيم تلك المصطلحات ضمن فترات زمنية ومدلولات لغوية. ويعد ما يسمى بـ«الأدب الإسرائيلي» رديفاً للأدب العبري المعاصر، وهو الأدب الذي كتب بعد احتلال فلسطين في عام 1948، ويعتبره النقاد أدباًً «يهودياً» على اعتبار أن جميع من كتبوا هذا الأدب هم يهود، وأدباً صهيونياً على اعتبار أن جميع من كتبوا بهذا المضمار كانوا يسوقون ويروجون للأفكار الصهيونية، وبالحدود الجغرافية حصر في حدود فلسطين المحتلة، ولكن هذا لم يمنعهم من اعتبار أي كاتب يهودي ضمن تصنيفهم، فمثلاً يائيل دايان وهي ابنة الإرهابي موشيه دايان، تصنف في الكيان الإسرائيلي على أنها من رواد الأدب الصهيوني ضمن اعتبارات ثلاثة، وهي أنها يهودية و«إسرائيلية» وتؤمن و تنظر للفكر الصهيوني، مع أنها تكتب بالإنكليزية.

والأدب اليديشي هو المكتوب باللغة التي يتكلمها يهود ألمانيا وتعني بالألمانية «يهودي»، وهي خليط من اللغة الألمانية في العصور الوسطى وبعض الكلمات العبرية التي ظهرت في القرن الخامس عشر، واستخدمت في أوروبا الشرقية وروسيا وبولندا، واعتمدت كلغة للكتابة الأدبية على اعتبار أنها لغة حية، ويستخدمها الكثير من يهود اليديشي، وأهم روادها كان شالوم عليخيم، ومندلي موخير سفاريم، بعكس ما ميز الأدب العبري الذي كان يعتمد الانتماء اللغوي للعمل الأدبي، ليغطي على الانتماء الحضاري والقومي، فكانت الستينيات من القرن الماضي هي التصنيف الأدبي الذي يعبر عن الجيل الذي ولد في فلسطين المحتلة، ضمن قوالب أدبية بدأت تعالج مشاكلهم الحياتية من استيطان والعراقيل الاقتصادية التي تواجه الصهيوني المحتل لفلسطين، وبدأ هذا التنوع الأدبي الانتشار مع ظهور الهاسكالاه اليهودية، وتعني المعارف التي يكتسبها الإنسان بدراسته، وهي مأخوذة من اللفظ العبري «سيخل»، وأطلق هذا المصطلح على حركة التنوير التي نشأت بين اليهود في ألمانيا – متأثرة بحركة التنوير الأوربية – ثم انتقلت إلى سائر أوساط اليهود في أوربا الوسطى والشرقية، وفي نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر أصبحت حركة اجتماعية ثقافية بين اليهود في أوربا، ولا يقتصر مصطلح (الهاسكالاه) على كونها حركة تنوير فقط، بل يعني كذلك حقبة في تاريخ اليهود في العصر الحديث امتدت على مدى قرن من الزمان أو أكثر

المقال فی قاسیون

 

أدب السجون ألم ومعاناة 2/2

21 مارس 2012

حسام زيدان ـ قاسيون/ شكل الأسير الفلسطيني في الباستيلات الصهيونية، بما يحمله من فكر ثوري نضالي، الهدف الأساسي لسلطات الاحتلال، التي سخرت إمبراطوريتها المخابراتية، وقدراتها في الحرب النفسية، وفي كل المجالات وعلى كل الأصعدة، لتشويش فكر ووعي الأسير الفلسطيني، وتعريض سلوكه وأفعاله النضالية لهزات كثيرة، من أجل جعله في حالة تشكيك ذاتي، بهدف إحباط توجهاته الفكرية والعملية وتعطيل قدراته الثورية، للانطلاق بترويضه وتحطيم إرادته.وكانت سياسة الإفراغ الفكري والثقافي من أهم الأساليب التي مارسها الاحتلال الصهيوني على المعتقلين الفلسطينيين، في محاولة لزرع ثقافة بديلة مشوبة بالتشويه، عملها الأساسي هو إعادة صياغة نفسية المعتقل من جديد وتطويعه وفق إرادتها. فكانت أهم إجراءات سلطات الاحتلال إعلان الحظر التام على الثقافة بشكل عام والوطنية والإنسانية بشكل خاص، وشملت حتى الورقة والقلم. فتفتقت ذهنية الإبداع عند المعتقلين وابتدعوا وسيلة للتغلب على مشكلة الورقة والقلم، فكان تهريب أدوات الكتابة من خلال زيارات الأهل أو عن طريق المحامين هي أهم وسائل حصولهم على أبسط أدوات الإبداع ، كذلك استفادوا من الأقلام التي كانت توزع عليهم لكي يكتبوا رسائل لذويهم مرة في الشهر، ومن ثم استخدموا هذه الأقلام في كتابة ما يريدون، وبالطريقة نفسها تمكنوا من توفير الورق. كما كانت مغلفات اللبنة والزبدة وبعض المواد الغذائية وعلب السجائر، تستخدم للكتابة عليها بعد غسلها وتجفيفها، واستمرت هذه السياسة، سياسة الحصار الثقافي والفكري من حرب النكسة في عام 1967 وحتى عام 1970، حيث أدرك المعتقلون المخطط الذي وضعوا فيه، فبدؤوا يطالبون بإلحاح ومثابرة بإدخال مواد ثقافية من كتب وصحف ودفاتر وأقلام، سواء بالاحتجاج المباشر، أو الإضراب عن الطعام، أو من خلال الاتصال بالصليب الأحمر الدولي، الأمر الذي جعل إدارة السجون ترضخ في النهاية لمطالب الأسرى، خصوصاً بعد الإضراب الكبير الذي عم المعتقلات في عام 1970، وبدأ السماح بإدخال الكتب والصحف والدفاتر والأقلام من خلال الصليب الأحمر، وفي السبعينيات شكلت الرسائل التي يبعثها المعتقل إلى ذويه الكتابة الأدبية الأولى من خلف القضبان، حيث حاول المعتقلون في رسائلهم استعمال كلمات إيحائية معينة لجؤوا إليها للتمويه على الرقيب الصهيوني، فكانوا يختارون أبياتا من الشعر أو عبارات من النثر قرؤوها ويكتبون بها رسائلهم، وكان التعبير بالشعر البدايات الأولى في إبداع الأسرى، ومن الكتابات التي صدرت وتعبر عن هذه الفترة ديوان شعري مشترك بعنوان «كلمات سجينة»، ومن المعتقلين الشعراء الذين نشروا قصائدهم في هذا الديوان: محمود الغرباوي، مؤيد البحش، محمود عبد السلام، عبد الله الزق، وليد مزهر، وليد قصراوي، نافذ علان، وليد حطيني، عمر خليل عمر، مشهور سعادة، وقد صدر هذا الديوان بخط اليد في معتقل بئر السبع عام 1975. وطرأ تطور نوعي على الإبداع لدى الأسرى، وتعددت أنواعه في فترة الثمانينيات، بعد أن توسعت معارف الأسرى وتشعبت ثقافاتهم، فكان لإدخال الكتب الثقافية المتنوعة، وخاصة الكتب الأدبية التي كان نصيبها من الرقابة الصهيونية أقل بكثير من الكتب السياسية، ظلال ايجابية على إغناء التجربة الأدبية في المعتقلات الصهيونية.وكانت فكرة إيصال النتاج الأدبي للأسرى، إلى كل السجون والمعتقلات الصهيونية، هاجساً يحاصر كل المبدعين الأسرى، بعد كسر فكرة عدم توفر وسائل النشر التقليدية في المعتقل، فكان العمل على إصدار مجلات أدبية تضم نصوصا أدبية مختلفة لعدد كبير من المبدعين، بعد كتابتها بخط اليد، وأكثر من نسخة وتوزع على المعتقلين في الزنازين والمعتقلات الأخرى، ومن هذه المجلات: «الملحق الأدبي» إلى مجلة «نفحة الثورة»، ومجلة «الصمود الأدبي» في معتقل عسقلان، ومجلة «صدى نفحة» التي أسسها عام 1989 كل من المبدعين المعتقلين: معاذ الحنفي، وسلمان جاد الله، وفايز أبو شمالة. وكتب على صفحاتها: عبد الحق شحادة، محمود الغرباوي، هشام أبو ضاحي، هشام عبد الرازق، زكي أبو العيش، منصور ثابت، ماجد أبو شمالة، سمير المشهراوي، وغيرهم، ومجلة «الهدف الأدبي» في معتقل عسقلان صدرت عام 1981، وأشرف على تحريرها كل من: منصور ثابت، وعبد الحميد الشطلي، ومحمود عفانة. ومجلة «إبداع نفحة» صدرت عن اللجنة الثقافية الوطنية في معتقل نفحة، وأشرف على تحريرها كل من: فايز أبو شمالة، سلمان جاد الله، معاذ الحنفي، محمود الغرباوي. وعمل الأسرى بشكل جدي في فترة الثمانينيات، على تهريب إنتاجاتهم الإبداعية خارج الأسر، واهتمت الصحف والمجلات الفلسطينية والعربية والعالمية، بنشر نتاجهم، وكان من أهم الصحف والمجلات التي نشرت أعمالهم الإبداعية: البيادر الأدبي، والشراع، والكاتب، والفجر الأدبي. كما عملت دور النشر والمؤسسات الثقافية والحزبية على نشر إبداعات المعتقلين في كتب مثل: اتحاد الكتاب، ودار القسطل للنشر، ودار الآباء والبنون للنشر، ودار الزهراء، ومركز التراث في الطيبة، وغيرها. ومن أهم الأعمال الأدبية الإبداعية التي نشرت في فترة الثمانينيات، كان ديوان «درب الخبز والحديد» لعدنان الصباح 1981، و لا يمكن أن ننسى ديوان «أيام منسية خلف القضبان» لمحمد أبو لبن 1983، وحتى القصة القصيرة كان لها نصيب في النشر في تلك الفترة، فنشرت مجموعة قصصية «الطريق إلى رأس الناقورة» لحبيب هنا 1984، وأيضاً المجموعة القصصية «ساعات ما قبل الفجر» لمحمد عليان 1985، ورواية «زنزانة رقم 7» لفاضل يونس 1983.

رابط المقال في قاسيون

أدب السجون ألم ومعاناة 1/2

2 فيفري 2012

حسام زيدان – قاسيون/ لا ينفك الحديث عن أدب السجون والمعتقلات الصهيونية، دون المرور ولو بالخيال على سرادق الألم ووحشة الظلام، والحزن وابتلاع سنابل الدمع مع الكثير من الأحلام، ولا تنفصل عنا رطوبة الزنازين والسراديب، بعد أن أصبح ما كتبه المعتقلون والأسرى الفلسطينيون في المعتقلات الصهيونية صورة حية وواقعية للمعاناة التي مروا بها وعايشوها، ولم يكن هذا الأدب متنفساً عن حالة اختناق أو تفريغ لحالات البطولة على ورق، بل كان يمثل عمق التجارب الإنسانية وأبعاد إيديولوجية وكفاحية.
وشكل النتاج الإبداعي في زنازين القهر الصهيونية، واجهة الصراع الإنساني والسياسي في القضية الفلسطينية، بعد أن تصدرت واجهة الأدب المقاوم، لفضحه مختلف الأساليب اللاإنسانية المتحكمة في سلوك السجان الصهيوني، كونه الأغنى والأكثر شمولية وزخما من حيث الكم والكيف بين تجارب الشعوب وحركات التحرر على مستوى العالم، وامتداد للجذور في تاريخنا الفلسطيني، وفي التاريخ العربي والعالمي.
إن أدب السجون والمعتقلات في فلسطين، كان أهم من حالة توثيق لما يعيشه الأسير والمعتقل داخل الزنازين من سحق لكرامته مروراً بكل حالات التعذيب التي يتلقاها، بل أنطلق ليكون أدبا وطنيا مقاوما يمجد النضال ويرفض واقع القيد والاحتلال، ويُعدّ من أصدق أنواع الكتابة سواء كان ذلك على مستوى النثر أو على مستوى الشعر، واختلفت التسميات حول النتاج الأدبي في باستيلات العدو الصهيوني، فذهب البعض لتسميتها «الأدب الاعتقالي» وحرص آخرون على صبغها بمفاهيم إيديولوجية فأطلقوا عليها تسمية «الأدب الأسير» وذهب آخرون إلى تسمية «أدب السجون»، ولكن الجميع مجمعون أنه يندرج تحت عنوان الأدب الفلسطيني المقاوم، لتميزها ضمن المشهد الأدبي الفلسطيني، لأن ابداع الأسير الفلسطيني وليد تجربة نضالية كون الأسير بالأصل هو شخصاً ثائراً، والإبداع الحقيقي ينطلق من ثورة، وتمثل السجون والمعتقلات تجربة أليمة تستنهض الأديب لإخراج كل ما في جعبته حبرا على ورق، ويحلق كي يمنح المتلقي القدرة على الإطلال على حياة الأسير النفسية والإنسانية وتجربته النضالية.
وتميزت الحالة الفلسطينية عن مثيلاتها في الحالة العربية والعالمية، بأنها الأغنى من حيث الكم والكيف بين تجارب الشعوب وحركات التحرر على مستوى التاريخ، ويعود ذلك إلى ارتباطها بعدالة القضية الفلسطينية وعمق توحدها مع الهم الإنساني، بالإضافة إلى طبيعة الاحتلال الصهيوني الذي تعرضت له تلك البقعة من الأرض، حيث لم يبق شعب من شعوب العالم تحت الاحتلال غير الشعب الفلسطيني، فهو الاحتلال الأطول في التاريخ، مما ساعد على إطلاق الحركة الثقافية داخل السجون والمعتقلات، فتحولت تجربة الاعتقال إلى مدرسة نضالية حقيقية، ومدرسة تثقيف وتعليم ذاتي للأسرى، وكانت قلاع ثقافية يرصد من خلالها مجمل الحركة الثقافية والأدبية الفلسطينية، وأضحت الرافد الحقيقي للنتاج الأدبي الفلسطيني، ونشأت حركة تبادل ثقافي مع الخارج بالرغم من الإجراءات التعسفية لسلطات الاحتلال الانكليزي وبعده الصهيوني، لكن لم تمنع تلك الإجراءات أن يصدر الإنتاج الأدبي للأسرى للخارج خفية عن سجانيهم، فاستخدمت كبسولات محشوة بورق الزبدة لتهريب كتاباتهم كرسائل إلى خارج المعتقل، حيث يقوم الأسير الذي قاربت مدة محكوميته على الانتهاء ببلع كبسولات قبل ساعات من الإفراج عنه تحتوي بداخلها أوراقا ورسائل مكتوبة بخط صغير الحجم، ثم يقوم بعد الإفراج عنه بإخراج هذه الكبسولات.
وساعدت عمليات تبادل الأسرى التي تمت بين حركات المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، النتاج الأدبي للأسرى الفلسطينيين من إخراج الكثير من منتوجها الأدبي والثقافي إلى خارج المعتقلات، ولم تقتصر التجربة الأدبية الفلسطينية في المعتقلات والسجون على فترة الاحتلال الصهيوني، بل بدأت منذ فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين، وكان أول كتاب فلسطيني وَضع حجره في أدب المعتقلات هو الكاتب «خليل بيدس» الذي كتب كتابا بعنوان «أدب السجون» أثناء فترة اعتقاله في سجون سلطات الانتداب البريطانية في فلسطين، وللأسف لم تصل لنا نسخة من هذا الكتاب بسبب أحداث حرب عام 1948، كما وثق الشاعر إبراهيم طوقان الشهداء الثلاثة «عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي» الذين أعدمتهم سلطات الاحتلال الانكليزي عام 1930 عقب ثورة البراق، واستخدم المعتقلون الفلسطينيون جدران الزنازين لتسجيل إبداعاتهم، ففي عام 1937 كتب الشاعر الشعبي «عوض» على جدران زنزانته، أبياتا شعرية تعبّر عن مدى المعاناة التي يعانيها الأسير، وصور القهر والألم جراء تخاذل العرب عن نصرة فلسطين، وذلك قبل أن تنفّذ فيه القوات البريطانية حكما بالإعدام، فترك للتاريخ وثيقة مهمة على المستوى النضالي والإنساني.

قاسيون

الواقع الفلسطيني بين الدوغما و قانون البوشيدو ؟

16 جوان 2011

لكل منظومة اجتماعية استراتيجيات ثقافية اجتماعية  تحدد او تعيد تحديد المتطلبات الثقافية وقواعد السلوك لدي الأفراد والجماعات داخل المجتمع،بحيث تمنح المجتمعات تصويب دائماً في السلوك الاجتماعي الإنساني ، و تنطلق الفكرة الأساسية التي تقوم عليها هذه الإستراتيجيات هي ان السلوك الفردي تسيطر عليه ضوابط اجتماعية داخل المنظومة ، و تعديل السلوك الاجتماعي تحدده متطلبات ثقافية و قواعد سلوك لها ادوار محددة ، و فرض عقوبات و خلق معانِ جديدة او تغير معان راسخة في المنظومة الاجتماعية .

فالمجتمعات الإنسانية قد عرفت تلك الاستراتيجيات منذ زمن طويل ، و كان هذا الموروث إلى النهوض بتلك المجتمعات ،  كما الحال في المجتمع الياباني الذي حدد معالم استراتيجياته قانون ( البوشيدو )و تعني هذه التسمية طريق المحارب  و هو قانون أخلاقي قائم على سبعة محاور وهي : الاستقامة، والشرف، والاحترام، والصدق، والشجاعة، والبر والإحسان، والولاء والإخلاص. و هذا القانون هو الذي حافظ على التقدم المدني الإنساني في المجتمع الياباني منذ عهد الساموراي الذين ساهموا بشكل كبير في الأمن الاجتماعي و إبعاد اليابان في ذاك العصر و حتى يومنا الحالي عن الانحراف الذي تغوص فيه المجتمعات المادية ، و كانت القيم التي تحيط حركة مقاتلي الساموراي هي المخرج القيمي الحقيقي الذي ينعم به ، و ما حصل في الزلزال الذي ضرب اليابان مؤخراً يجعلنا نقف عنده لدرجة الذهول ، فروح الفريق الواحد و تلاشي الأنا و انعدام التفكير بالذات و ارتفاع مصلحة الواقع و المجتمع فوق كل مصلحة فردية ضمن الالتزام الأخلاقي الاجتماعي الصارم بقانون البوشيدو تجعل من الياباني في حراكه في الأزمات  كجندي في كل ميادينه ، ينضبط في وقته و يحترم الأنظمة و لا يفكر بمخالفتها حتى في سره .

و في مجتمعنا الفلسطيني تحديداً تسود الدوغما العقائدية الثقافية و الفكرية التي تجعل من العقل الفلسطيني معطل التفكير و الإرادة و السلوك الاجتماعي في محدودية فكرية تجعل من الكثير من الأفكار كحقيقة مطلقة و لا يجوز مناقشتها ، فتحدد السلوك السائد في المنظومة الاجتماعية خارج نطاق العقلانية التي تتجاذب أهواء النفس البشرية في ازامات الواقع الفلسطيني ، و ان غياب العقلانية عن الاستراتيجيات الثقافية الاجتماعية المؤسسة لأي نظام اجتماعي قوي تؤدي بشكل فوري لتنامي المسلمات و المقدسات الفكرية ان كانت السياسية منها او الاجتماعية ، و خلقت من العقل الفلسطيني في أزماته المتلاحقة مومياء فكرية لا تستطيع الاطلاع على بكارة الموروث الاجتماعي العربي التي أقيم حولها سياج دوغما بعد التعاطي مع الأفكار المطروحة في الشارع الفلسطيني الثقافي منه و السياسي على أنها مقدسات لا يجب البحث فيها ، و أن التعاطي مع الأزمات من خلال مفهوم انا وحدي الحقيقة و ما عداي هو عبث ، كان له الأثر الكبير في اتساع رقعة هذا الغياب للعقلانية و التكفير المنطقي في واقعنا الاجتماعي و الثقافي و السياسي الفلسطيني .

ترى هل نحتاج في واقعنا الفلسطيني لقانون (  البوشيدو ) و إلى قدرة محاربي الساموراي ، لنحاول ضبط مجتمعنا و حراكنا الاجتماعي و السياسي و الثقافي ضمن التزام أخلاقي صارم .

التدخل الإنساني العاجل بمدفعية مجلس الأمن

11 ماي 2011

التدخل الإنساني العاجل بمدفعية مجلس الأمن

تجاوزت القدرة الكبيرة للركوب الأمريكي و الأوربي على موجة الاحتجاجات في الشارع العربي التي كانت سهلة و مثمرة كل حدود  ، بعد أن أفرغت أمريكا ما في جعبتها من ذرائع و طعوم مغرية ، بدأت بأسلحة الدمار الشامل مروراً بالارهاب و انتهاءاً بحقوق الإنسان و الديمقراطية ، فأجادت تحويل الرأي العام الدولي و مساندة بعض القوى الإقليمية لها من خلال تجيش محطات إعلامية و قوة استخباراتية على الأرض ضمن عمل مدروس و ممنهج .

ان اثر الفراشة لمسألة التدخل الإنساني العاجل الذي انطلق به بعض أصداء الصوت العرب جعل من صحيفة اكرانية تلفت نظرنا و هي تراقب المشهد العربي و بالذات بعد أحداث ليبيا إلى نداء وجهته عبر صفحاتها : لا تقعوا في الفخ ذاته أيها العرب !! عن أي فخ كانت تتحدث ، و من الذي وقع فيه ؟

ان المشهد المتكرر في دولنا العربية يجعل من بعض الاستغاثات الإنسانية المدفوعة الأجر و طلب المعونة من الديمقراطية الأكبر في العالم ، و من خلال أروقة المنظمات الدولية التي أصبحت عبارة عن شركة أمريكية محدودة المسؤولية ، إلى هرولة تلك القوى إلينا بكامل اناقتها من خلال القرارات الدولية و الاجتماعات و الوجوه الملونة ، و فيالق الإعلام المرتبط استخباراتياً و بعدها يكون إرسال التوماهوك و قاذفات القنابل و قوافل خلايا السي آي إيه ، تحت ذريعة التدخل الإنساني العاجل ، فما أشبه استغاثات اليوم بالاستغاثات التي كانت تطلقها المنظمات التي تطلق على نفسها لقب منظمات ذات طابع عمل إنساني و حقوقي في أوربا الشرقية ، لكن ما يميزها في منطقتنا العربية هو نكهة النفظ و إستراتيجية كسر الدول الممانعة و المقاومة للكيان الصهيوني .

و لا يعلم الذين يقومون على التحريض و الاحتجاجات و تضخيمها من خلال وسائل اعلام مرتبطة بالمشروع الأمريكي و بالذات ما نراه بخصوص سورية ، و ظنهم أن تلك التضخيمات التي  تحولت إلى أقدارلا يرد قضاءها الا الله عز وجل ، و أن الفشل الذي تعاني منه المنظمات التي هي أصلا ً مشبوهة الإرادة و العمل و من يقف وراءها عند إحالتها الأمر لمجلس الأمن لاستصدار القرارت التي تتوافق مع السيناريو الأمريكي للتدخل الإنساني العاجل ، متناسية ان هذا المبدأ هو من اهم المبادئ الدولية المعنية بعدم التدخل بشؤون الدول الداخلية من خلال دعم دول او منظمات دولية ، و لكن الاستراتيجيات الأمريكية ما فتئت أن اخترقت هذا المبدأ بشكل مستمر اعتماداً على ذرائع واهية تتعلق في غالبها بسيادة الدول ، رغم الحرص الشديد من واضعي ميثاق سان فرانسيسكو على دقة الهدف منه ، الا أن الدول ذات القوى العسكرية استخدمته لتغطية مصالحها القومية و الإستراتيجية الكبرى ضاربة بعرض الحائط توصية  الجمعية العامة رقم /213/ تاريخ 21/12/1965/ التي اطلقت مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية و الحفاظ على استقلالها و حمايته و تحريم كل أشكال التدخل و الامتناع عن تمويل و تسليح كل النشاطات الإرهابية لتغيير حكم في دول أخرى .

 كما لم تراع الولايات المتحدة مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالتوصية رقم /2625/ بتاريخ         24 /10/1970و التي اعتبرت ان التدخل ليس عسكرياً فحسب بل حرمت التدخل و التهديد لمكونات المجتمعات الأخرى من سياسية و اقتصادية و ثقافية و اعتبرته مخالفاً للقانون الدولي ، و في خضم حالات التدخل الإنساني العاجل التي تمارس على شعوبنا و بالذات ما بدأنا نراه من حملة شرسة على سورية للوصول إلى هذا الهدف من خلال زج المجتمع الدولي و منظمته الأممية في هذا الصراع جعل هذا المبدأ يعيش بمثابة ولادة قيصرية لمبدأ قانوني جديد يحمل في طياته نظرية الواجب الإنساني للسعي إلى التدخل في شؤون الدول الداخلية و تفتيت الحدود الوطنية ضمن خدمة استراتيجة تلك الدول و مصالحها و سياساتها ، و هذا يذكرنا بالحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية الصادر سنة /1949/ في قضية كورفو و الذي خلص إلى ( حق التدخل المزعوم تجسيده لسياسة القوة ، سياسة غطت أخطر التجاوزات ، و لا يمكن أن تجد لها مكان في القانون الدولي ) ، و لا بد ان نشير إلى التوصية ذات الرقم 103/36 الصادرة في 1981 و التي ركزت على وجوب عدم استغلال و تشويه المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان بغاية التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى .

هي المؤامرة ذاتها لكن الأسماء تختلف ، فكيف للثورات التي تنشد الديمقراطية و الحرية تلجأ مرة للاستغاثة و طلب النجدة من خلال التدخل الإنساني العاجل المعتمد على التوماهوك و قاذفات القنابل ، نعم فهذه أصلاً ليست ثورات بالمعنى الكلاسيكي بل هي حال من حالات دس السم في الدسم و تحويل المطالبة بهموم معاشية للمواطن العربي في سورية إلى حصان طروادة أمريكي يشرع استخدام مجلس الأمن لاستصدار قرارت و من ثم التدخل الإنساني العاجل تحت ذريعة حماية المدنيين ، و دس أطراف أصابعها عميقا في جدار الأنظمة العربية و في النسيج الاجتماعي العربي من خلال مكتب صغير في البنتاغون يدعى (مركز عصب البنتاغون ) الذي يضم نخبة العسكريين الأمريكيين و القليل من المدنين للبحث بفاعلية القوة الإستراتيجية الضاربة للولايات المتحدة الأمريكية عند الحاجة لها ، فهي لم تكل و لن تكل من التدخل القميء في الشأن الداخلي السوري لتنفذ مخططاتها التي تنبع أصلاً من مصلحة الكيان الصهيوني في المنطقة ، و تقلب الحقائق فتحول دفاع المواطن عن بلده و محاربة الإرهاب إلى انتهاكٍٍ لحقوق الإنسان ، فقد كانت العجلة الأمريكية في استصدار قرار في مجلس الأمن مستخدمة كل نفوذها و وسائل ضغطها ،  ما هو إلا محاولة يائسة لمد يد العون للإرهابيين و قوافل خلايا السي آي أيه التي زرعتها في سورية ، معتمدة في استصدار قرار في مجلس حقوق الإنسان على ما تقوم ببثه محطات إعلامية و تنشره وكالات دولية ضالعة في المؤامرة على سورية ، جعل منه تدخل سافراً في الشؤون الداخلية لسورية  و مخالفة صريحة لمبادئ القانون الدولي ، دون الالتفات إلى حقيقة ما يجري على الأرض بعد ان تجاهلت قوافل الشهداء من الشعب و الجيش و قوات الأمن الذين سقطوا على أيدي الارهابين المدعومين أمريكيا .

الحرب الإعلامية على سورية و خفاياها

1 ماي 2011

الحرب الإعلامية على سورية و خفاياها

إن الأداء السلوكي الذي انطلقت به وسائل الإعلام بعد الحراك السياسي الاجتماعي الذي كان أشبه بزلزال ضرب سقف إفريقيا الشمالي وصولاً إلى سورية ، جعل من كل القوى المتضررة تدفع بكل قوتها لخلط الأوراق من جديد في المنطقة ، من خلال زج جميع وسائل الإعلام و صب الاهتمام الاعلامي العالمي كان أكبر من اهتمام وسائل الاعلام تلك بشؤونها الداخلية و التزامها بالحد الأدنى بلوائح السلوك الصحفي الذي يشير إلى : (إن من أهداف لائحة السلوك المهني تحري دقة وصحة المعلومات الواردة من مختلف المصادر والحرص على تفادي ارتكاب أخطاء.. وجاء في البند الثاني أنه يجب عدم تحريف الوقائع والمعلومات والحقائق تحت أي ذريعة.. وأيضاً ينبغي عدم التلاعب بمحتوى الصور المتعلقة بالأخبار والتقارير الإخبارية بحيث يؤدي ذلك إلى تشويه الوقائع…‏ ) . إضافة إلى ذلك فإن وسائل الإعلام التي تحاول استنباط وسائل جديدة من خلال استخدام ما اتيح لهم من تكونولوجيا حديثة للوصول إلى المتلقي ، متجاهلة التمسك من خلال عملها بالقيم الصحفية من صدق و مصداقية و إنصاف و استقلالية و توازن و جرأة ، و تحول هذه الوسائل الإعلامية إلى صوت ينطق بلسان سيده ( أي الممول ) ، فالإعلامي يجب أن يبذل جهداً فوق العادة لكي يتحرى الحقيقية و يقدمها للمتلقي كوجبة شهية دسمة و دقيقة و كاملة . و من الملاحظ أن مفهوم قناعة الصحفي قد تلاشت في ظل الأحداث التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط منذ بداية العام الحالي إلى يومنا و جعلت قناعة الإعلامي تنضغط لمتطلبات سياسة الوسيلة الإعلامية و تأثير توجهها كان جلياً على العمل الإعلامي و تغطية الأحداث أضف إلى ذلك الاصطفاف السياسي الإعلامي الواضح ، و إن النفوذ السياسي و الإعلامي الغربي الكبير على وسائل الإعلام جعلها تشكل التكتلات الإعلامية ضمن فرز يقوم على فكرة ( الضربة الاستباقية للحدث ) ضمن قدرتها على تنوع السلوك الإعلامي خارج سرب العمل المهني الموضوعي المتزن ، فكانت بي بي سي البريطانية ( ذات المنشأ المخابراتي ) و تي في سانك الفرنسية و سي إن إن الأمريكية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المقروة مثل دير شبيغل الالمانية و الغاردين البريطانية و ليموند الفرنسية خير مثال على ذلك ، فكان صنع الكراهية و أحدث اساليب زرع الفتن و خلق الكراهية على مستوى العالم كله هو الهدف الأساسي لعملها خلال شهور ، ولم تكن منطقتنا العربية مستثناة و بالذات سورية فضمن الإقرار بمكانة سورية المركزية في صناعة القرار السياسي الدولي و الإقليمي و المحلي ، و مواقفها المعروفة للجميع ضمن دعمها لحق المقاومة المشروع في فلسطين و لبنان و العراق و في أي مكان تنتهك فيه إنسانية الإنسان و تسلب أرضه و حقوقه كانت مركزية الهجوم الإعلامي تتمحور ضمن ائتلاف يضم خصوم سورية السياسيين بالإضافة إلى تلك الإمبراطوريات الإعلامية . فعندما يتعلق الأمر بتقدم المجتمعات و القضايا المصيرية للشعوب و خاصة شعوبنا العربية ، فإن التركيز على الحقيقة و الكشف عنها واجب يتعلق بالمصلحة العميقة و الدفاع عن قيم الأمة و قضاياها ان كانت اقتصادية او سياسية او اجتماعية ، و من هنا تنطلق أهمية كشف الحقائق ضمن عمل مهني أخلاقي يتصف بالحياد و البحث عن الحقيقة و تحري الدقة ، فكيف يكون ذلك و عندما نضع أحداث درعا على طاولة التشريح الإعلامي نجد أن وكالات الأنباء العالمية بالإضافة لوسائل الإعلام المقروءة و المرئية مثل الأسوشيتد برس ذات الانتماء الامريكي او الفرنس برس الفرنسية التي ترتبط باليمين الفرنسي أو الغاردين البريطانية التي ترتبط باليمين المحافظ . فتلك المؤسسات كانت و من خلال تعاطيها مع أحداث درعا و ما بعدها ، كنت بعيدة عن السلوك المهني الموضوعي ، فقامت بإغفال و عن سبق اصرار و عمد سقوط شهداء من رجال الأمن و الشرطة و قوات الجيش على ايدي بعض المتظاهرين او على يد العصابات المسلحة بعد أن أغفلت حرق المتظاهرين للمؤسسات العامة ذات الطابع المدني الخدمي ، و هذا الإغفال و تضخيم الأحداث يقع ضمن إطار رغبة المؤسسات الإعلامية في تعزيز الرؤية المخابراتية التي تسعى إلى تضليل الرأي العام و من أخطر ما كانت تركز عليه هو إشباع الأخبار بالعنف الطائفي مستغلة بذلك مكونات النسيج الاجتماعي السوري و خلق حالات من الفعل و رد الفعل على أساس تجريم الامن السوري و الحكومة السورية ضمن تناقض صارخ للاحداث من أجل بناء مشهد مضلل صاحب حضور قوي في غرائز الشارع ، من خلال بروبغندا إعلامية تتلاعب بالحقائق و إطلاق التحيز إلى أقصى أفق ، ضمن حرب نفسية تستخدم فيها الدعاية السوداء و عبر بناء مسرحي يعتمد الخطوط الرئيسية التي تجعل من أي حدث على الأرض غير قابل للكشف او قدرة المتلقي على تحري مصداقيته ، من خلال توظيف الجانب العاطفي في جعل المعاناة هي المرتكز الأساسي التي تستهدف الخصم و تحمله كامل المسؤولية عن ما يواجهه المدنيون الأبرياء ، و لم تغفل الدوائر المخابراتية التي تدير تلك المؤسسات على أن التعاطي مع غرائز الشارع يستوجب أن تقوم بتقوية الفرز الطائفي و تحريض الأقليات القومية لتأجيج مشاعر الكراهية ، و لا ننسى الاستخفاف بعقل الشارع من خلال تزوير بعض المشاهد و الوثائق و اعادة مونتاج لمقاطع الفيديو و استخدام فيلق من الشهود الزور و يساعد في ذلك كله هو التسارع المذهل في التطور التقني و التكنولوجي و وسائل الاتصال و نقل المعلومات ، و ذلك كله كان باشراف أخصائيين في الحرب النفسية و خبراء إعلاميين و كل ذلك لتوجيه الرأي العام الدولي و المحلي في اتجاه محدد مسبقاً في دوائر الاستخبارات التي تعمل ليل نهار للنيل من سورية . فقد أصبح واضحاً دور تلك المؤسسات الإعلامية في تصدير الأزمات و صناعتها و خلق المبررات لتمزيق وطننا الى خرائط صغيرة ، و هذا ما يجعلنا ننطلق من خلال إعلام وطني قادر على التفاعل الفكري و الإبداع من خلال مساهمة فعالة في مواجهة الأزمة المجيش لها اكبر الإمبراطوريات الإعلامية ضمن صياغة مفاهيم جديدة للأمن الإعلامي العربي ، يكون قادراً على ترسيخ الوعي الجماهيري بأدوات مهنية قادرة ان تسجل عملها في وعي الملايين و صفحات الزمن .

نيسان غزة

10 أفريل 2011

على بعد ذراعين من نافذة شتوية عتيقة كشجر السنديان قالت لي غزة و هي تخرج من كم قميصها ميلاد فردوس الألم.. لا تخرج وحدك لحصاد سنابل المطر بعد مرور سنابك خيلهم عليها ، فلن تحصد إلا برد  زفير الوتر عندما يلامس شهوة القتل . حينها عرفت ان غزة  تشتعل حباً هناك فجال فكري نحو برد نيسان المخادع و المطر الحامل تنهيدات فجر الحرية ، و أن المفاصل حين تبرد لا ترتدي معطفاً بل أكفاً مبللة بالدمع .

اخبرني بروسيوس قبل ألاف السنين و في قلبه وخز أشجار التوت في سقف أثينا ، أنه لم يهد رأس أخيه إلى حيرا زوجة زيوس و لم يمنح كفيها حناء الدم المهدور من عنقه ، و أن  الكراكون التنين المرعب لم يطلب رأس أخيه ميدوسا الذي كان يجمعهما صحن أخوة عميق المسافة  و نبض بين أضلعهما ينشطر بدمع القمر و يفجر معنى الأخوة ، فكيف يعلق الآن دم الأخوة في غزة على رمش رجولتنا كمزن الشتاء و نركل نشرات الأخبار المسائية المغبشة بأعمدة الدخان و النار تحرق جوف فمي و قلبي ، فكيف تطوى مظلاتكم عن مطر غزة و هذا الدم يغري بالانعتاق من قلق الفقد و عالمنا الفضي يغتسل كما القطط تحت أعمدة الدخان و رائحة الدم و بارود الثوار .

نيسان يغرس في سحابة عطر بلادنا ازهاراً و ربيعاً ، و في غزة يغرس ملحاً أحمراً يمنح خيبة العرب طعماً و لوناً و ربما رائحة ، و مطر نيسان فيها يقتلع عين الخطيئة و يجعل الريح بصفير اعرج . نيسان الريبع في غزة تحول إلى ملقط للموت صدأ يخشى البلل بدمع من يبكي في جمرة الشتاء و اهل غزة يعلنون ان الريبع توج الفصول عندهم بإيقونة دم رفعت العطش عنهم بمطر من يقبعون في غرف زجاجية و سيطالهم بلل بنادق الثوار كما الموت تحت وابل الذكرى ، و سنغني اهطل يا مطر الثور فقد أصبح الكون شقي النداء و التكوين و سنتجاوز الجراح ..

ركوب الأمواج و ركوب الشعوب

4 أفريل 2011

ركوب الأمواج و ركوب الشعوب

عندما نريد أن نفهم ما يحصل في بلدنا الحبيب ، تعود بنا الذاكرة إلى السياسي الأمريكي الأصل (walter Russell ) الذي كان يسوق لفكرة المهام الأمريكية لبناء نظام عالمي جديد التي انطلق منها من خلال المسؤولية العسكرية والسياسية التي اتبعتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد انتهاء الحرب الباردة مع القطب الشرقي في المنظومة العالمية وبعدها أحداث الحادي عشر من أيلول ، اتجهت حركة التاريخ نحوغياب هذا النظام العالمي ، فكانت فكرة الشرق الأوسط الجديد التي ابتدعت بعد ان فشلت أمريكا في حروبها الثلاث في منطقتنا من تحويل الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة فلم تجد وسيلة الا زرع الاضطرابات في المنطقة العربية والبلاد المطلة على البحر المتوسط ، فبدأت تسوق إلى أن الصحوة الديمقراطية الحالية التي تشهدها الدول العربية منذ كانون الأول ستعزز النظام الديمقراطي في المنطقة وأنها ستقوم بدور ريادي لضمان ذلك . وان السبب المباشر لزرع تلك الاضطرابات ليست الشعوب التي تريد لها أمريكا الحصول على المزيد من الديمقراطية المزعومة بل ترسيخ غطرسة الكيان الصهيوني وعنجهيته وان يقوم وهو مرتاح بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية وترانسفير منظم لسكان القدس الشرقية وتهويدها . فكيف يمكن ان نفهم كل ذك بعيد عن الفوضى العارمة التي لا حدود لها ولا قيود ، وهذا والعنف الذي ينتقل من غصن لغصن ومن شجرة لشجرة ليقتل الحياة كلها ، كيف لي أن لا أجن عندما أرى إمبراطوريات إعلامية مدعومة من أجهزة استخبارات وهي تسهر خلف اجهزة الحاسوب ليل نهار لتغطي أزمتنا التي جاءت بعد ان صفعناهم في حرب تموز وحرب غزة التي أحرقت فكرة الشرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاقة . نعم يا سادة انه يوم الثأر الأمريكي الصهيوني من سورية المقاومة بتنفيذ فكرة الفوضى والعنف ، من خلال إبقاء الدول الكبرى تسبح في غيها والحفاظ على قوتها من خلال انعدام النظام واعمال العنف والقتل والدس والتحريض الطائفي والإعلامي والسياسي وتفكيك الدول وتغيب السلطة المنظمة الواحدة ، وتكون أسبابها في تفكيك السلطة المنظمة وسيادة أعمال العنف من أجل التفكير القسري بالقوة لتنظيم الفوضى المنظمة . فتكون نظرية الفوضى الجماعية التي تقودها جماعة من المتعاملين مع استخباراتها يرفضون تطبيق أي إصلاحات من خلال الحوار ويتجهون نحوالعنف والدماء ضمن مخطط ممنهج مهما كانت نتائجه ، ويكون التطور الحتمي لذلك هو اختفاء منظومة المؤسسات والدولة وانهيار سريع لسيادة الدول بالمعنى التقليدي وتدخل جميع القوى تحت العباءة الأمريكية والصهيونية . فالفوضى الخلاقة والتي بمعنى أوضح الفوضوية التي أطلق شعاراتها المسؤولون الأمريكيين وكان أخرهم وزيرة الخارجية الأمريكية ، والتي كانت تحتفل بركام الأبنية في الضاحية الجنوبية من بيروت في حرب 2008 ، وما يثير التساؤل : كيف تحمل الفوضى التنظيم والخلق والابتكار ، وكيف استطاع قادة السياسة الأمريكان لصق المفهوم الايجابي بالفوضى ونشرها في بلادنا ، كيف يمكن بناء عالم مستقر وهادئ من خلال جعل الأنظمة كقطع ( puzzle ) التي تجعل كل الأمور قابلة للتفكيك وإعادة الترتيب ضمن استراتيجيات عسكرية وسياسية وإعلامية ، فتنطلق لعبة إعادة ترتيب الشرق الأوسط من خلال رؤية الإرهابي إسحاق بيريز الذي افهم الأمريكيين أنه إن أردتم السيطرة على المنطقة يجب إعادة تشكيل وإعادة وتفكيك الدول من المغرب غرباً إلى أفغانستان شرقاً ، واعتمدوا في ذلك على رؤية المفكر الفرنسي جوزيف برودون عندما أطلق نظريته الشهرية في أواسط القرن الماضي ( انا فوضوي ) التي تنطلق من خلال الهمجية وانعدام القانون وانعدام النظام تحت شعار لا قانون ولا نظام وترك الأمور تجري بدون استقرار تحت سلطة الرغبات والنزوات ، فكانت فكرة الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد من خلال المصطلح السياسي (Anarchie) الذي استخدم في اليونان القديمة تحت مسمى αναρχία ) ) والذي يعني في اليونانية القديمة لا حاكم أو لا رئيس وقد شرَّع المفكرون السياسيون في أواسط القرن الماضي تلك النظرية اليونانية إلى اتجاه سياسي يقوم على مبدأ اللا سلطة والفوضى السياسية ضمن بعثرة الدولة و مؤسساتها وغياب سلطتها وتدميرها من خلال الشعوب ، وقد كان المفكر الفرنسي روسو قد استخدمها ضمن أدبياته وان هذه الأفكار قد استخدمت بالثورة الفرنسية ضمن مفهوم سلبي ، ولكن عاد المؤرخون وذكروها ضمن المفهوم الايجابي ، وضمن هذا الحراك السياسي قام المفكر السياسي ويليام غودوين بتطوير فكرة الاسلطوي والفوضى في الفكر السياسي الحديث . ألا يمكن لنا أن نسمي هذه الأفكار التي أطلقت ضمن منظومة عالية التنظيم والتسويق والترويج لفكرة الشرق الأوسط الجديد من خلال الفوضى الخلاقة التي تعود بنا إلى عهد الغريزة العنيفة وتجعل من الإنسان في حالة تراجع فكري ضمن العودة للدائرة الأولى في التفكيرو تدمير الرابط الإنساني ، أليست الفوضى يا سادة هي إلغاء أي رابط ضمن المعنى الإنساني السليم لأنها تركز مفهوم القوة والعنف في حركتها ، وهل سنبقى ضمن دائرة التنفيذ لمخططات الدول العظمى التي تفرض أفكارها من خلال خرائط تقسيمية جاهزة بدأت منذ سايكس بيكو وإلى يومنا الحالي ، ضمن فكرة الفوضى التي تجعل المواطنين في الدول ضمن حالة الطواعية واقل قدرة على المقاومة ضمن ما تصطحبه من حروب وقسوة تجعل من التغير الجيوسياسي والثقافي قابل للتحقق . فكيف يمكن للسجون والمعتقلات ان تكون بديلاً للحرية والعزة والكرامة ، ضمن المفهوم الأمريكي البغيض ، وكيف يمكن ان تكون تلك المغريات الأمريكية المرحلية مكان التعايش والسلم الأهلي ، كيف لنا ان نقبل الوصايا لدول الاستكبار العالمي ضمن مفهوم رخاء الشعوب والميكافيلية الحديثة ، وتجعل من شعوب منطقتنا عرضة للفوضى واللا سلطة ، كلهم يقفوا عاجزين أمام وعي شعبنا المقاوم الشريف الحر الأبي ، صاحب الكرامة في سورية المقاومة أمام مساحيق التجميل للمصطلحات الأمريكية وخططهم الجاهزة ، فهو يوجه الضربة تلو الضربة لتلك المخططات التي بدأت تأخذ مجرى التنفيذ في سورية الحبيبة بعد أن أفشلتها المقاومة الإسلامية في لبنان حرب 2006 وما بعدها ، وكانت المقاومة الفلسطينية لها بالمرصاد في حرب 2008 وما بعدها ، وكانت المقاومة العراقية الشريفة قد أسقطت فكرة التدخل العسكري الأمريكي بعد أن أغرقتهم في مستنقعات دجلة والفرات ، والآن دور سورية المقاومة صاحبة أرقى حضارة عرفها التاريخ ومصدرة الأبجدية لكل العالم . فطوبى لكم يا من تحافظون على هذا الوطن ضد قوى الاستكبار والهيمنة الأمريكية والأحلام الصهيونية بإخضاع هذه القلعة العربية الأصيلة لإرادة التدخل و الهمينة الأمريكية ، فهذا عصر المقاومين الشرفاء وليس عصر أشباه الرجال .

شهيق

15 مارس 2011

افعل ما شئت .. فإنسانيتك على المحك

مخاض

8 مارس 2011

قالت و هي تلوك ذنب الاعتصام ، و أنا أقف على هيئة إعصار: كيف نبحث عن الأقحوان في أرض يفترشها الأرق..؟

رفعت وجهي لربي و أنا أحاول تطهير روحي من الغضب .. و بمحاولة بائسة ، لأنحر مباركة النون في ظلال العطر .

أمسكت بحلقي و أشعلت بمحاجر عيوني سبع مواسم شتاء ، و اغتلت اللون الكحلي بقعر كوب ، وهو يقف على أحجاره الثمانية كأعمدة السماء ، و أخبرتها :

هل سنحيى  مغبشين بقوافي السحر طويلاً  ، دون أن تهطل أصابعك على جبتهي لتتحسس نبضها ؟.. هل قُدِّر علينا أن ننشد عرش بلقيس و ننعاها بحنجرة عراقية النشيد ؟؟

لا تبعدي معصمك لأني سأثبت للكون أن نهر الفرات يصل إلى غزة.. و أني مصلوب هناك كنبي نبذه أهله ، و ألقوا على جبهته مقصلتهم ليصنعوا فتوحات تلسع العنق و تعاند البساط الأزرق أعلى قبة السماء ..

قالت وهي تجتهد لتمنح جلد الحياة عطر حقول الزعتر و الدم :

أشعر أن الفجر يسقط في صدري فأخرُّ صريعة الضباب وقت اشتداد كفر الغيمات ، وهن يفتعلن الضجيج لعقم أصاب زرقة الفجر .. و قد شرعن في رسم ملامح رائحة الخبز ، فلا يمشون في أحلامهم خفافاً مترفين .

و كفراشة تضم فناجين القهوة الفخارية لصدرها أجبت: الفجر؟! و ما الفجر ؟!

قالت و هي تحتل عواصم خلاياي بابتسامة خفيفة على الروح: الفجر هو أن تنثر الحواس بخوراً على جدائل الشمس بعد أن تعجن بدماء حمراء صورتنا القاتمة .

كان الجواب يحتك بصدري كسماء تكابد لحظات اختناق ، فقلت : وهل يطل الفجر على الأرواح التي باتت تعتلي الدعوات المنسية ؟ و كفرت بالمساحات البسيطة من البياض ، فلا تشهق ولا تحقن القلوب بالسواد ؟! و باتت لا تتقن إلا الموت كل صباح و مساء??.. هل قدر من يعشق أن تنتظر روحه فتات الفجر ؟.. هل يقدر لنا أن نبقى نراقب لحظات وميض دافئة ؟؟

ليس من العدل أن نقبع في زاوية و ننتطر فجراً .. فجراً ما ، قد يكون أخضر فيحمل جسراً ، و قضباناً و حديداً و أشكال وجوهنا ، جسراً طويلاً يمتد إلى ما بعد النهاية فما البداية ، والبوصلة محترقة تحمل ملامحها رائحة العبث و تمتطي صهوة الشوق الذي لا يغفر أثمه ،و لا يستوعبه عقل حكيم ولا وجه رجلٍ أزرق ؟؟

هو الجسر حياتنا ترتبط به ، بعد أن تفرغنا الحياة من صلصال ملامحنا ، و تذرنا في هواء فسيح .. هكذا يولد الهواء حولنا فلا تتعجلي موتي ، لأني أترنح ولا أحمل إلا كدمات حزننا السائل .

أمسكَتْ بعروة الكلام و افترشت منديلها كبساط فتح شهيتها للكلام و السؤال و استطردت:

وهل تعتقد أن الجسر لا يحمل بصمة حزن ساخرة و لزجة دون مرورنا عليه ؟

فالتحف وجهي زمن مجبول بسكين مدببة،و نهضت من مكاني ، و قلت :

الجسر هو الجسر ، قد نكون ممن ينشدون و يمنحون أنفسهم أمنيات سهد الخلود ، و نحّمل رسائلنا للذين سيعبرون الجسر للضفة الأخرى كمن يرحل من زمن لزمن و في قلبه شجاعة الصعاليك الفرسان ، فالوقت لا يرتد لنسأل من هم الذين إن عبروا حملت وجوههم ألوان أعلام الفرح ، و خرت لهم أسراب الحمام و رائحة الزيتون ، و نكتب لهم بالدم .. بالطبشور .. ببقايا عظم مسنون ..فتركع على ظل أجسادهم نوبات الحنين الشاقة و تتهاوى أقنعة اصطناع الفرح .

على الجسر نعترف أمام الماء و نحن محملين بجثث أحلامنا التي فارقت الحياة محملة برائحة خذلان الجميع : من وطن و أصدقاء و حتى حجارة الأرض ، وحتى الماء .. تحت الجسر يعرف أننا غرباء و بائسون ، فالماء يعرف الغريب من نظراته المتقطعة نحوه ، و نحن كمن يمشي على بيدق ! و كلما دقت خطوتنا قعره أنبت شوكاً و صباراً و ألماً ، فنتأتئُ بالمشي ، فالغريب يمشي حائراً على نفسه .

هل سنعبر الجسر و نحن محملين برغبة عارمة بالصراخ ؟ .. و لن تكمم أفواهنا ؟ سنبكي و لن تُصَادر دمعتنا ؟ سنتألم و لن نخشى ضياع هيئتنا ؟؟

فالجسر لا يعني أن نعرج نحو ثماني سماوات أو نشنق كتف غربتنا الساكنة في صدورنا المبللة بأساور الحنين لضفة أخرى .. لزمن أخر .. لمستقبل أفضل ، فكل جسر لا يكون دوماً التقاء بأمنيات فتحت في جدار ذاكرتنا ثقباً لا يندمل ،ولا تنفرط أبجديتها و لن تمت خلف الشامة الزرقاء في جوف المستقبل ، فالجسر قد لا يسمعنا نبض ما ننتظره في شرايين المكان ، ولا ترتدي خلفه النساء حرفة النون ولا تسمع فيه أغاني الأمنيات ، و يفصلنا عن خرافية المرتجى و بيداء الواقع .

* اللوحة من اعمال الفنان سامر الحلقي ( اقتضى التنويه )