Posts Tagged ‘حب’

جاذبية قمر

1 ديسمبر 2010



أقفلت الباب بتوتر ملحوظ بعد أن سال منه ريق القلب ، و بدأت أعيد صراخي للرب مستجدياً و أنا أتوضأ من نورها : أيا رب لا تحرمني منها فهي شرياني الأخضر ، وهي ذراع الوطن الذي يحمي الزيتون و يغني للاجئين و انتهاكات الزمن ، هي التي أورثتني عدم الرضوخ لمواسم القيد و انزلاقات ثقب الرئة ، فلا تقطع يا رب الحبل السري الذي يربطني بها ..) . أغلقت كل نوافذ انقضاض الصور في رأسي كي لا تخدش صورة ملاكها القاطن في صدري ، و تركت لقوافلها زندي لترمم به وسع المدى ، فتنحني شوارع القصائد المقدسية بعد أن شاهدت كفي يرقص في جوف الظلام . غرفتي الآن معلقة بين الأرض و السماء فالقمر ينزف عطراً بعد أن غافل شمس الغياب و أشرق من وهج عينيك، اسكب الفرح في زوايا المكان و اقرأ عليه بنود الولوج لما بعد هذا اليوم ، سأشحن كل طرقات المؤدية إليك بريحانة تفوح بصخب العناق ، سأغمض الرمش و أتوسد كتفك كتميمة فارسية تمنحني بخور استند لخريطة وطن أعور ، فأحرق كيانه ليجوب شوارع دمشق و يعلن انهمار مطرك كبساط أبيض فأنت الوطن ، سأمنح الشمس شرف أن توزع نياشينك على أطفال الكون ، و سأجعل من تجاعيد الدهر نوارس تسكن مدن الورد بين أصابعك ، سينبت في فم الشمس عنقود عنب يغطي عورة الأفق و ضباب الليل و يجعلها ماجنة الألق . إلا تلاحظين الآن ان الغيوم تدفع ثمن عزفها الألحان بعيدة عن مدن قلبي و تمطر باسمك على شعري ليبقى نبضي مجوفاً لحين رؤياك ، إلا تلاحظين أن سنابل روحي كانت خاوية و فمها يتنهد ككحل الليل الأسمر و أعلنت أنها لن تبيع مدفأة حضورك لأرصفة النسيان و بدأت تغني بعد أن نبت لها شفة و لسان … قبلك كنت أؤمن أن تباشير الحب يأتي بها طائر يلوح بخلخال يعج بصرخات اليسار وهي تتوسد سقوط مجرات حلمها على مقصلة حضورك . سأنتظر أن أرتشف قهوتي من بياض عينيك و ستحليها بشهد شعاع عينيك و سأعلن على إيقاعات الصوفيين أنك وطني الذي يكتب فوق الصخر بالماء و يترك أثر على رمل الصحراء ، سأعلن أني أطفأت شموعي التي تجاوزت الثلاثين لتشرق شمسك التي تحمل مذاق دم العنبر ، سأعلن أنك تغلغلت بدمي كانطواء بيت قديم و بقوة جيش اليسار حين وصل قرطاج ، سأجمع أطفال حارتنا القديمة و رفاق الوطن و بائع القهوة و أصحاب الهجرة لخرائط جديدة كي يتذوقوا عطرك ، عطر جسدك الذي انبعث في دمي فأنت أنثى لا تتكرر ….. يتبع

امرأة من دخان

21 سبتمبر 2009



أنه العيد يصل مبكراً بنفاقه المُنمق الرخيم ، مثله وصلت باكراً و كنت اتمنى أن يكون رحيلك مجرد تحية تحمل وجه عملة الكذب في عيد لا نملك فيه عيد ، كان غسق الواقع يبدأ بالتنفس كأنه نيزك مفرط النور في عيني ، جست المقبرة بكامل مساحتها ، و لم أجدك ، و بدأت اشتم رائحتك و هي قادمة من جهة الجنوب ، حاد جداً سيف الشوق ، أتمشى في هواجسي قرب الجدار و أنا أحلم أن تكسري حاجز الصمت العقيم و تعانقيني باللحظة التي يقع بصرك بها عليّ ، و بينما كنت ألبس روحي بمزيد من أقنعة الفرح و الحب ، و أسترق النظر لقوافل القادمين للمقبرة ، وحتى لا تلحظ تلك الجموع ما بي من شوق و هيام ، بدأت أقف ساكناً كمن تغتاله جحافل الشتاء و الملم ما حل بي من تصدعات الانتظار …
أني أراها من بعيد ، و بدأ وجهها يلون المطر بالمطر ، و تلقي على طهر الورد الياسمين ، الاشياء الصغيرة التي ترتديها ما زالت كما هي ، لها رائحة زهر الليمون ، و كبرياء الشهداء ، و نكهة الزعتر البلدي ، تفتك بي و تزيد رعشتي ، و تسقطني كأخر فرسان روما ، تشعل بي صهيل التضرع و الارتقاء ، كانت بهية شهية كما اعتدتها ، كتلاوة مقدسة ، كمطر الروح الاخضر العينين ، تلقفت لفافة التبغ و تنهدت بعمق ( أنها هي .. لقد أتت ) …
و اقتربت …
وبدأت المسافة بيننا تكبر كأنها كومة أحلام مخبأة في خصلة شعر ، و شتاء الغابات يفرغ ماء وريدي ، و أغنية صعاليك اسبارطة تدك عقارب الوقت … ياه كم بعيدة المسافة بيننا رغم أنها لم تتجاوز متران من التنهديات و العويل …
يممت رأسي شطر ضوء عينيها ، و أنا اختلس النظر كقط يقتسم خبز الفرح و يمضغ ريشة النسيان ، و اقتربت …
تساقط رماد سيجارتي الشقراء على فردة حذائي ككومة أوراق شجرة في الخريف ، و كانت المسافة التي تفصلنا كلهفة الشفاه لعناق القبل ، و أنا انتظر الرقص على وقع راحتها التي ستترك عطراً و عوسج في كفي ..
كنت سأخبرها اني لن أغدو فارساً الا بها ، كنت أنتظر ان تهشم أضلع الشوق بعناقها و تهدر دمي كالشنفرى ، كنت سأخبرها أنها ستحولني لباقة زبرجد أخضر … كنت …
لم تشعرني بالدفء ، و غدت روحي من وهم الامنيات هشة ، فما كان العناق ولا كانت المصافحة ، لم تبنعث مني الا شحوب لحم دمعي ، اشاحت عني و كان الغرب وجهتها ، و تدثرت بالرماد و أنا أشهق بالخيبة العظمى ، لا شريك لي في قلب له رائحة كتابات اسخيليوس و رماد محرقة ….
غابت و لم أعد أراها وسط الجموع ، و رفعت نظري الى رب الكون ، و أنا أردد أني لست غبياً ، و لست أتابع خيط دخان ، و ان النسيان شيطان يعيش بقميص الموت السريري لحبّ ، و سيبقى طيفك كسورة في كتاب مقدس لم تمر عليها أيدي الجان ، و سأبقى ألوذ بك من عقم الدفئ و قلة العطر ..
أني أشعر الأن أني سقطت من رحم أمي على حصيرة شوك أجهل هرطقة الدمع و لعنة الصراخ ..
نعم ذهبت .. غادرت .. و أنا بقيت اعتلي تيجان البرد في زحام يركلني على كل رصيف رمادي وحيداً ، وحيداً أشرب الماء في غرفتي الان كي لا اشعر بعدك بالعطش ، حاولت ان أمارس دوري المناط بي في هذه الاسطورة ، أن أبكي .. أن انتحب ، لكني غدوت مثقلاً بألف ثقب و ثقب ، غدوت كجلمود صخر لايفتته الا نور الرب …
هي الغربة تمارس ازدحام المشاعر الشمطاء ، و لن تكوني ذاك الوجه المرسوم بدخان الخيبات العاطفية .